فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أحدها: أنه الأراك، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور؛ فعلى هذا، أُكُلُه: ثمره؛ ويسمَّى ثمر الأراك: البَرِير.
والثاني: أنه كل شجرة ذات شوك، قاله أبو عبيدة.
والثالث: أنه كل نبت قد أخذ طعمًا من المرارة حتى لا يمكن أكله، قاله المبرِّد والزجّاج.
فعلى هذا القول، الخَمْط: اسم للمأكول، فيَحسُن على هذا قراءة من نوَّن الأُكُل؛ وعلى ما قبله، هو اسم شجرة، والأُكُل ثمرها، فيحسُن قراءة من أضاف.
فأمَّا الأَثْل، ففيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الطَّرْفاء، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه السَّمُر، حكاه ابن جرير.
والثالث: أنه شجر يشبه الطَّرْفاء إِلاَّ أنَّه أعظم منه.
قوله تعالى: {وشيءٍ من سِدْرٍ قليلٍ} فيه تقديم، وتقديره: وشيء قليل من سِدْر، وهو شجر النّبق.
والمعنى أنه كان الخَمْط والأَثْل في جنَّتيهم أكثر من السِّدْر.
قال قتادة: بينا شجرُهم من خير الشجر، إِذ صيَّره اللّهُ من شرِّ الشجر.
قوله تعالى: {ذلكَ جَزَيناهم} أي: ذلك التبديل جزيناهم {بما كفروا وهل نُجازي إِلا الكَفُورَ}.
فإن قيل: قد يُجازى المؤمنُ والكافر، فما معنى هذا التخصيص؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن المؤمن يُجزى ولا يُجازى، فيقال في أفصح اللغة: جزى اللّهُ المؤمن، ولا يقال: جازاه، لأن جازاه بمعنى كافأه، فالكافر يُجازى بسيِّئتِهِ مثلها، مكافأة له، والمؤمن يُزاد في الثواب ويُتفضَّل عليه، هذا قول الفراء.
والثاني: أن الكافر ليست له حسنة تكفِّر ذنوبه، فهو يُجازى بجميع الذُّنوب، والمؤمن قد أَحبطت حسناتُه سيِّئاته، هذا قول الزجاج.
وقال طاووس: الكافر يُجازى ولا يُغْفَر له، والمؤمن لا يُناقَش الحسابَ.
قوله تعالى: {وجَعَلْنا بينهم} هذا معطوف على قوله تعالى: {لقد كان لسَبَأٍ} والمعنى: كان من قَصَصهم أنّا جَعَلْنا بينهم {وبين القرى التي باركنا فيها} وهي: قرى الشام؛ وقد سبق بيان معنى البَرَكَة فيها [الانبياء: 71]، هذا قول الجمهور.
وحكى ابن السائب أن الله تعالى لمَّا أهلك جنَّتيهم قالوا للرسل: قد عرفنا نعمة الله علينا، فلئن ردَّ إِلينا ما كنَّا عليه لنَعْبُدَنَّه عبادةً شديدة، فردَّ عليهم النِّعمة، وجعل لهم قُرىً ظاهرة، فعادوا إِلى الفساد وقالوا: باعد بين أسفارنا، فَمُزِّقوا.
قوله تعالى: {قُرىً ظاهرةً} أي: متواصلة ينظُر بعضها إِلى بعض {وقدَّرْنا فيها السَّير} فيه قولان.
أحدهما: أنهم كانوا يَغْدون فيَقِيلون في قرية، ويَرُوحون فيَبِيتون في قرية، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: أنه جعل ما بين القرية والقرية مقدارًا واحدًا، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {سِيروا فيها} والمعنى: وقلنا لهم: سيروا فيها {لياليَ وأيَّامًا} أي: ليلًا ونهارًا {آمنين} من مخاوف السفر من جوع أو عطش أو سَبُع أو تعب، وكانوا يسيرون أربعة أشهر في أمان، فبَطِروا النِّعمة وملّوها كما ملّ بنو إِسرائيل المَنَّ والسَّلوى {فقالوا ربَّنا بَعِّدْ بين أسفارنا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {بَعِّد} بتشديد العين وكسرها.
وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة: {باعِدْ} بألف وكسر العين.
وعن ابن عباس كالقراءتين.
قال ابن عباس: إِنهم قالوا: لو كانت جنَّاتنا أبعد ممَّا هي، كان أجْدَرَ أن يُشتهى جَنَاها.
قال أبو سليمان الدمشقي: لمَّا ذكَّرتْهم الرُّسلُ نِعَم الله، أنكروا أن يكون ماهم فيه نعمة، وسألوا الله أن يُباعِد بين أسفارهم.
وقرأ يعقوب: {ربُّنا} برفع الباء {باعَدَ} بفتح العين والدال، جعله فعلًا ماضيًا على طريق الإِخبار للناس بما أنزله الله عز وجل بهم.
وقرأ عليّ بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء، وابن السميفع، وابن أبي عبلة: {بَعُدَ} برفع العين وتخفيفها وفتح الدال من غير ألف، على طريق الشِّكاية إِلى الله عز وجل.
وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: {بُوعِدَ} برفع الباء وبواو ساكنة مع كسر العين.
قوله تعالى: {وظَلَمُوا أنفُسَهم} فيه قولان.
أحدهما: بالكفر وتكذيب الرُّسل.
والثاني: بقولهم {بَعِّدْ بين أسفارنا}.
{فجعلْناهم أحاديث} لمن بعدهم يتحدَّثون بما فُعل بهم {ومزَّقْناهم كلَّ مُمَزَّق} أي: فرَّقْناهم في كل وجه من البلاد كلَّ التفريق، لأنَّ الله لمَّا غرَّق مكانهم وأذهب جنَّتَيْهم تبدَّدوا في البلاد، فصارت العرب تتمثل في الفُرقة بسبأٍ {إِنَّ في ذلك} أي: فيما فُعِل بهم {لآياتٍ} أي: لَعِبَرًا {لكلِّ صبَّار} عن معاصي الله {شَكورٍ} لِنِعَمه.
قوله تعالى: {ولقد صدَّق عليهم إِبليسُ ظنَّه} {عليهم} بمعنى فيهم، وصِدْقه في ظنه أنَّه ظنَّ بهم أنَّهم يتَّبعونه إِذ أغواهم، فوجدهم كذلك.
وإِنما قال: {ولأُضِلَّنَّهم ولأُمَنِّيَنَّهم} [النساء: 119] بالظنِّ، لا بالعِلْم، فمن قرأ: {صَدَّق} بتشديد الدال، فالمعنى: حقَّق ما ظنَّه فيهم بما فعل بهم؛ ومن قرأ بالتخفيف، فالمعنى: صَدَق عليهم في ظنِّه بهم.
وفي المشار إِليهم قولان.
أحدهما: أنهم أهل سبأ.
والثاني: سائر المطيعين لإِبليس.
قوله تعالى: {وما كان له عليهم من سُلطان} قد شرحناه في قوله: {ليس لكَ عليهم سُلطان} [الحجر: 42].
قال الحسن: واللّهِ ما ضربهم بعصًا ولا قهرهم على شيء، إِلاَّ أنه دعاهم إِلى الأماني والغرور.
قوله تعالى: {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} أي: ما كان تسليطنا إِيَّاه إِلاَّ لِنَعْلَم المؤمنين من الشاكِّين.
وقرأ الزهري: {إِلاَّ لِيُعْلَمَ} بياء مرفوعة على ما لمُ يسمَّ فاعله.
وقرأ ابن يعمر: {لِيَعْلَمَ} بفتح الياء.
وفي المراد بعِلْمه هاهنا ثلاثة أقوال قد شرحناها في أول [العنكبوت: 3].
{وربُّكَ على كل شيء} من الشكِّ والإِيمان {حفيظ} وقال ابن قتيبة: والحفيظ بمعنى الحافظ.
قال الخطّابي: وهو فَعِيل بمعنى فاعل، كالقدير، والعليم، فهو يحفظ السماوات والأرض بما فيها لتبقى مدَّة بقائها، ويحفظ عباده من المَهالك، ويحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نيَّاتِهم، ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذُّنوب، ويحرسُهم من مكايد الشيطان.
قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الذين زعمتم} المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهةٌ ليُنْعِموا عليكم بنِعْمة، أو يكشفوا عنكم بليَّة.
ثم أخبر عنهم فقال: {لا يَمْلِكون مثقال ذرَّة في السَّموات ولا في الأرض} أي: من خير وشرّ ونفع وضُرّ {وما لهم فيهما من شِرْكٍ} لم يشاركونا في شيء من خلقهما، {وماله} أي: وما لله {منهم} أي: من الآلهة {من ظَهير} أي: من مُعِين على شيء.
{ولا تَنْفَعُ الشَّفاعةُ عنه إِلاَّ لِمَن أَذِنَ له} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: {أُذِنَ له} بفتح الألف.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: {أُذِنَ له} برفع الألف وعن عاصم كالقراءتين.
أي: لا تنفع شفاعة مَلَك ولا نبيّ حتى يُؤْذَن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذَن له فيمن يشفع.
وفي هذا ردّ عليهم حين قالوا: إِن هذه الآلهة تشفع لنا.
{حتّى إِذا فُزِّعَ عن قُلوبهم} قرأ الأكثرون: {فُزِّعَ} بضم الفاء وكسر الزاي.
قال ابن قتيبة: خُفِّفَ عنها الفَزَع.
وقال الزجاج: معناه: كُشِف الفَزَع عن قلوبهم.
وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وأبان: {فَزَعَ} بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عز وجل.
وقرأ الحسن، وقتادة، وابن يعمر: {فرغ} بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع.
وقال غيره: بل فرغت من الشك والشِّرك.
وفي المشار إِليهم قولان.
أحدهما: أنهم الملائكة.
وقد دلَّ الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، ولم يذكره في الآية، لأن إِخراج الفزع يدل على حصوله.
وفي سبب فَزَعهم قولان.
أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى.
روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا تكلَّم اللّهُ بالوحي سمع أهلُ السماء صلصلةً كجرِّ السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيَهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزِّع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربُّك؟ قال: فيقول: الحق، فينادون: الحقّ الحقّ» وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذا قضى اللّهُ عزَّ وجل الأمرَ في السماء ضَربت الملائكةُ بأجنحتها خُضْعَانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربُّكم، قالوا: للذي قال الحقَّ {وهو العلي الكبير}».
والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة.
وفي السبب الذي ظنُّوه بدنوِّ الساعة ففزعوا، قولان.
أحدهما: أنه لمَّا كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ثم بعث اللّهُ محمدًا، أنزَل اللّهُ جبريل بالوحي، فلمَّا نزل ظنَّت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمرُّ بكل سماء ويكشف عنهم الفَزَع ويُخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة، ومقاتل، وابن السائب.
وقيل: لمَّا علموا بالإِيحاء إِلى محمد صلى الله عليه وسلم، فزعوا، لِعِلمهم أنَّ ظُهوره من أشراط الساعة.
والثاني: أن الملائكة المعقِّبات الذين يختلفون إِلى أهل الأرض ويكتبون أعمالهم إِذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا، يُسْمَع لهم صوتٌ شديد، فيحْسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرُّون سُجَّدًا، ويُصْعَقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا كلَّما مرُّوا عليهم، رواه الضحاك عن ابن مسعود.
والقول الثاني: أن الذي أُشير إِليهم المشركون؛ ثم في معنى الكلام قولان.
أحدهما: أن المعنى: حتى إِذا كُشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت إِقامةً للحجة عليهم قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربُّكم في الدنيا؟ قالوا: الحقّ، فأقرُّوا حين لم ينفعهم الإِقرار، قاله الحسن، وابن زيد.
والثاني: حتى إِذا كُشف الغِطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربُّكم؟ قاله مجاهد. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض} معناه أن كل نعمة من الله، فهو الحقيق بأن يحمد ويثنى عليه من أجلها، ولما قال: الحمد لله وصف ملكه فقال: الذي له ما في السموات وما في الأرض أي ملكًا وخلقًا {وله الحمد في الآخرة} أي كما هو له في الدنيا لأن النعم في الدارين كلها منه، فكما أنه المحمود على نعم الدنيا فهو المحمود على نعم الآخرة وقيل: الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما ورد «يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس» {وهو الحكيم} أي الذي أحكم أمور الدارين {الخبير} أي بكل ما كان وما يكون {يعلم ما يلج في الأرض} أي من المطر والكنوز والأموات {وما يخرج منها} أي من النبات والشجر والعيون والمعادن والأموات إذا بعثوا {وما ينزل من السماء} أي من المطر والثلج والبرد، وأنواع البركات والملائكة {وما يعرج فيها} أي في السماء من الملائكة وأعمال العباد {وهو الرحيم الغفور} أي للمفرطين في أداء ما وجب عليهم من شكر نعمه قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة} معناه أنهم أنكروا البعث وقيل: استبطئوا ما وعدوه من قيام الساعة على سبيل اللهو والسخرية {قل بلى وربي لتأتينكم} يعني الساعة {عالم الغيب} أي لا يفوت علمه شيء من الخفيات وإذا كان كذلك اندرج في علمه، وقت قيام الساعة وأنها أتية {لا يعزب عنه} أي لا يغيب عنه {مثقال ذرة} يعني وزن ذرة {في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك} أي من الذرة {ولا أكبر إلا من كتاب مبين} يعني في اللوح المحفوظ {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة} أي لذنوبهم {ورزق كريم} يعني الجنة.
{والذين سعوا في آياتنا} يعني في ابطال أدلتنا معجزين يعني يحسبون أنهم يفوتوننا {أولئك لهم عذاب من رجز أليم} قيل الرجز سوء العذاب {ويرى الذين أوتوا العلم} يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {الذي أنزل إليك من ربك} يعني القرآن {وهو الحق} يعني أنه من عند الله {ويهدي} أي القرآن {إلى صراط العزيز الحميد} أي إلى دين الإسلام {وقال الذين كفروا} أي المنكرين للبعث المتعجبين منه {هل ندلكم} أي قال بعضهم لبعض هل ندلكم {على رجل ينبئكم} يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم معناه يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب وهي أنكم {إذا مزقتم كل ممزق} أي قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق، وصرتم ترابًا {إنكم لفي خلق جديد} أي يقول إنكم تبعثون وتنشئون خلقًا جديدًا بعد أن تكونوا رفاتًا وترابًا {أفترى على الله كذبًا} أي أهو مفتر على الله كذبًا فيما ينسب إليه من ذلك؟ {أم به جنة} أي جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه قال الله تعالى ردًا عليهم ليس بمحمد صلى الله عليه وسلم من الافتراء والجنون شيء وهو مبرأ منهما {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة} يعني منكري البعث {في العذاب والضلال البعيد} أي عن الحق في الدنيا {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض} أي فيعلموا أنهم حيث كانوا في أرضي وتحت سمائي، فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها وأنا قادر عليهم {إن نشأ نخسف بهم الأرض} أي كما خسفنا بقارون {أو نسقط عليهم كسفًا من السماء} أي كما فعلنا بأصحاب الأيكة {إن في ذلك} أي فبما ترون في السماء والأرض {لآية} أي تدل على قدرتنا على البعث بعد الموت {لكل عبد منيب} أي تائب راجع إلى الله تعالى بقلبه.
قوله: {ولقد آتينا داود منا فضلًا} يعني النبوة والكتاب.
وقيل الملك وقيل هو جميع ما أوتي من حسن الصوت، وغير ذلك مما خص به {يا جبال أوبي معه} أي وقلنا يا جبال سبحي معه إذا سبح وقيل: رجعي معه إذا رجع ونوحي معه إذا ناح {والطير} أي وأمرنا الطير أن تسبح معه فكان داود إذا نادى بالتسبيح أو بالناحية أجابته الجبال بصداها، وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا لحقه ملل أو فتور أسمعه الله تعالى تسبيح الجبال فينشط له {وألنا له الحديد} يعني كان الحديد في يده كالشمع أو كالعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة قيل سبب ذلك أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج إلى الناس متنكرًا فإذا رأى إنسانا لا يعرفه تقدم إليه، وسأله عن داود فيقول له ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا في صورة آدمي، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله فقال الملك: نعم الرجل هو لولا خصلة فيه فراع داود، ذلك، وقال ما هي يا عبد الله قال: إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسأل الله تعالى أن يسبب له سببًا يستغني به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فألان الله له الحديد وعلمه صنعة الدروع وأنه أول من اتخذها، وكانت قبل ذلك صفائح وقيل إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف فيأكل منها، ويطعم عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين وقد صح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده» {أن اعمل سابغات} أي دروعًا كوامل واسعات طوالًا تسحب في الأرض قيل: كان يعمل كل يوم درعًا {وقدر في السرد} أي ضيق في نسخ الدرع وقيل قدر المسامير في حلق الدرع ولا تجعل المسامير دقاقا فتفلت ولا تثبت، ولا غلاظًا فتكسر الحلق وقيل قدر في السرد أي اجعله على القصد وقدر الحاجة {واعملوا صالحًا} يريد داود وآله {إني بما تعملون بصير}.